للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيالها خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ ... بِوَعْدِهَا أَوْ لَوَ انَّ النَّصْحَ مَقْبُولُ [١]

لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمهَا ... فجع وولع وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ [٢]

فَمَا تَدُومُ [٣] عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ [٤]

وَمَا [٥] تَمَسَّكُ [٦] بِالْعَهْدِ الَّذِي زَعَمَتْ ... إلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ

فَلَا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إنَّ الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ [٧]

كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إلَّا الْأَبَاطِيلُ [٨]

أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَوَدَّتُهَا ... وَمَا إخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ [٩]


[١] الْخلَّة (بِالضَّمِّ) : الصديقة. يُوصف بِهِ الْمُذكر والمؤنث والمفرد وَغَيره. يُرِيد أَنَّهَا صديقَة كَرِيمَة، وَلَو أَنَّهَا صدقت فِي الْوَعْد، وَقبلت النصح، لكَانَتْ على أتم الْخلال، وأكمل الْأَحْوَال. وَرِوَايَة هَذَا للبيت فِي أ: «ويلمها.... بوعدها وَلَو ان ... »
[٢] سيط: أَي خلط بلحمها ودمها هَذِه الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْبَيْت. ويروى: شيط (بالشين الْمُعْجَمَة) وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والفجع: الْإِصَابَة بالمكروه كالهجر وَنَحْوه. والولع والولعان: الْكَذِب. والإخلاف:
خلف الْوَعْد. يُرِيد أَن محبوبته متصفة بِهَذِهِ الْأَخْلَاق، حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا مختلطة بدمها.
[٣] فِي أ: «فَمَا تقوم» .
[٤] الغول: سَاحِرَة الْجِنّ، فِي زعمهم. يَزْعمُونَ أَن الغول ترى فِي الفلاة بألوان شَتَّى، فتأخذ جانبا عَن الطَّرِيق، فيتبعها من يَرَاهَا، فيضل عَن الطَّرِيق فَيهْلك. يُرِيد أَن هَذِه المحبوبة لَا تدوم على حَال تكون عَلَيْهَا.
بل تَتَغَيَّر من حَال إِلَى حَال، فتتلون بألوان شَتَّى وَترى فِي صور مُخْتَلفَة، كَمَا تتلون الغول فِي أثوابها بألوان كَثِيرَة.
[٥] فِي أ: «وَلَا» .
[٦] تمسك، يرْوى بِفَتْح التَّاء، على أَنه مضارع حذفت إِحْدَى تاءيه، أَو بِضَم التَّاء وَفتح الْمِيم وَكسر السِّين الْمُشَدّدَة. «وَلَا تمسك» . يشبه تمسكها بالعهد بإمساك الغرابيل للْمَاء، مُبَالغَة فِي النَّقْض والنكث وَعدم الْوَفَاء بالعهد، لِأَن المَاء بِمُجَرَّد وَضعه فِي الغربال يسْقط مِنْهُ.
[٧] مَا منت: مَا منتك إِيَّاه، وحملتك على تمنيه، أَو مَا كذبت عَلَيْك فِيهِ. يَقُول: لَا تغتر بِمَا حَملتك على تمنيه مِنْهَا، أَو بِمَا كذبت عَلَيْك فِيهِ من الْوَصْل، وَمَا وعدتك بِهِ من ترك الهجر، فَإِن الْأَمَانِي الَّتِي الَّتِي يتمناها الْإِنْسَان، والأحلام الَّتِي يَرَاهَا فِي مَنَامه سَبَب فِي الضلال، وضياع الزَّمَان.
وَهَذَا الْبَيْت مُتَأَخّر فِي (أ) عَن الْبَيْتَيْنِ التاليين لَهُ.
[٨] كَانَت: صَارَت. وعرقوب (بِضَم الْعين وَإِسْكَان الرَّاء وَضم الْقَاف) : رجل اشْتهر عِنْد الْعَرَب بإخلاف الْوَعْد، فَضرب بِهِ الْمثل فِي الْخلف. والأباطيل: جمل بَاطِل، على غير قِيَاس.
[٩] التنويل: الْعَطاء، وَالْمرَاد بِهِ (هُنَا) : الْوَصْل. يُرِيد أَنى مَعَ اتصافها بالجفاء وإخلاف الْوَعْد، وَعدم الْوَفَاء بالعهد، لَا أقطع الرَّجَاء من مودتها، وَلَا أيأس من وَصلهَا، بل أَرْجُو وآمل أَن تقرب مودتها،