للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الْأَقَاوِيلُ [١]

لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ [٢]

لَظَلَّ يَرْعَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنْ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ [٣]

حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي مَا أُنَازِعُهُ ... فِي كَفِّ ذِي نَقِمَاتٍ قِيلُهُ الْقِيلُ [٤]

فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إذْ أُكَلِّمُهُ ... وَقِيلَ إنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ [٥]


[١] هَذَا الْبَيْت من تَتِمَّة الاستعطاف والتلطف فِي القَوْل، فَلَا، وَإِن كَانَت ناهية بِحَسب وَضعهَا، لَكِن المُرَاد مِنْهَا التضرع والتذلل. وَالْمعْنَى: لَا تستبح دمي بِسَبَب أَقْوَال الوشاة الساعين بيني وَبَيْنك بالإفساد وَالْكذب والبهتان.
[٢] لقد أقوم: مَعْنَاهُ: وَالله لقد أقوم مقَاما، فَهُوَ جَوَاب قسم مَحْذُوف. ويروى: «إِنِّي أقوم مقَاما» وَالْأولَى أبلغ للقسم. وَالْمقَام (هُنَا) مجْلِس النَّبِي. وَالْمرَاد بِالْقيامِ فِيهِ حُضُوره، وَالْمعْنَى على الْمُضِيّ أَي لقد حضرت مَجْلِسا.
[٣] يرعد: تَأْخُذهُ الرعدة، وَيصِح بِنَاؤُه للْمَفْعُول. والتنويل: التَّأْمِين. وَالْمعْنَى: لصار الْفِيل يضطرب ويتحرك من الْفَزع، وَإِنَّمَا خصّه بذلك لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّعْظِيم والتهويل، والفيل أعظم الدَّوَابّ جثة وشأنا. إِلَّا أَن يكون لَهُ من الرَّسُول بِإِذن الله تَأْمِين يسكن بِهِ روعه، وَتثبت بِهِ نَفسه. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ:
لظل ترْعد من وجد بوادره ... إِن لم يكن من رَسُول الله تنويل
والوجد: شدَّة الْحزن. والبوادر: اللَّحْم الّذي بَين الْعُنُق والكتف.
زَادَت (أ) بعد هَذَا الْبَيْت:
مَا زلت أقتطع الْبَيْدَاء مدرّعا ... جنح الظّلام وثوب اللّيل مسبول
[٤] حَتَّى وضعت: أَي فَوضعت. وَخص الْيَمين لِأَن الْأَشْيَاء الشَّرِيفَة تفعل بِالْيَمِينِ. وَلَا أنازعه: أَي حَال كوني طَائِعا لَهُ، رَاضِيا بِحكمِهِ، فِي غير مُنَازع لَهُ وَلَا مُخَالف. والنقمات (بِفَتْح فَكسر) جمع نقمة وَالْمرَاد بِصَاحِب النقمات: النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ كَانَ ينْتَقم من الْكفَّار، فَكَانَ شَدِيد السطوة والإغلاظ فيهم. وقيله: قَوْله. وَالْمرَاد أَن قَوْله مُعْتَد بِهِ لكَونه نَافِذا مَاضِيا. يُشِير بِالْبَيْتِ إِلَى حَاله مَعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قدم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد، وَوضع يَده فِي يَده يستأمنه.
[٥] أخوف: أَشد إخافة وإرهابا. ومنسوب: أَي إِلَى أُمُور صدرت مِنْك، كَقَوْلِك لأخيك بجير:
«سقاك بهَا الْمَأْمُون» ... إِلَخ. وَمَسْئُول: أَي عَن سَببهَا، أَو مسئول عَن نسبك، فَكَأَنَّهُ يَقُول:
من قبيلتك الَّتِي تجيرك منى؟ وَمن قَوْمك الَّذين يعصمونك منى؟ فقد تبرءوا مِنْك، وتخلوا عَنْك. ويروى:
«لذَلِك أهيب» و «فَذَاك أهيب» و «لَكَانَ أهيب» و «فَلَهو أخوف» . ويروى: «أرهب» مَكَان:
«أهيب» .