فإنه ذهب بالصوت إلى الاستغاثة، واعلم إنه قد كثير عن العرب تأثيث فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث، وكان المضاف بعض المضاف إليه أو منه أو به، ولذلك قرئ قوله تعالى (لا تَنْفَعُ نَفْساً إيمانها) بالتأنيث فأنث فعل الإيمان إذ كان من النفس وبها. وأمثال ذلك كثيرة فاعرفه.
وأما تذكير المؤنث فشائع في كلام العرب كقوله تعالى (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي) أي هذا الشخص أو هذا المرئيّ. وكذلك قوله - عز اسمه - (فمن جاءه موعظةٌ من ربه فانتهى) لأن الوعظ والموعظة واحدة، وقالوا في قوله تعالى (إنّ رحمة الله قريب من المحسنين) إنه أريد بالرحمة هاهنا المطر، بدليل قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته).
وأما حمل الواحد على الجماعة، فكقولهم:(هو أحسن الفتيان وأجمله) لأن هذا الموضع يكثر فيه الواحد كقولهم (هو أحسن فتى في الناس) قال الله تعالى (ومن الشياطين من يغوصون له) فحمل على المعنى وقال ذو الرمّة:
ومية أجمل الثقلين وجهاً ... وسالفة وأحسنه قذالا
فأفرد الضمير، مع قدرته على جمعه، وهذا يدلك على قوة اعتقادهم في أحوال المواضع، وكيف ما يقع فيها. ألا ترى أن هذا الموضع موضع جمع، وقد سبق في الأول لفظ الجمع فترك اللفظ، وموجب الموضع وعدل إلى الإفراد من غير ضرورة، فإنه قد كان يمكنه أن يقول:
وميّة أجمل الثقلين وجهاً ... وسالفة وأحسنهم قذالا
ومن هذا النحو قول بعظهم:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الأحن الصدورُ
فيجوز أن يكون ذلك جمع أخ قد حذفت نونه للإضافة، ويجوز أن يكون واحداً ووقع