ومن العجب كيف ذكر الغانمي ذلك في كتابه وفاته النظر فيه مع تقدمه في هذه الصناعة. وأعجب من ذلك قول أبي القاسم الآمدي، وأعجب منهما جميعاً استحسان ناقد الكلام لهذا التقسيم، ألا ترى أن هذا البيت قد بني عليه شيء آخر من جنسه فانه لو أضيف له بيت غيره فقيل:
لجاز ذلك وربما يحتمل أن بزاد على هذا البيت الثاني بيت ثالث ورابع، ولو كان ذلك التقسيم في البيت الأول صحيحاً لما احتمل أن يضاف إليه شيء آخر البتة، لأن من شرط صحة التقسيم أن لا يحتمل الزيادة.
ومما جاء على نحو من هذا قول بعضهم في حق مكسورين في الحرب، (فمن بين جريح مضرج بدمائه، وهارب لا يلتفت إلى ورائه). فإن الجريح قد يكون هارباً، والهارب قد يكون جريحاً، ولو قال (فمن بين قتيل ومأسور وناج) لصح له التقسيم لأن المكسورين في الحرب، الذين دارت عليهم الدائرة، لا يخرجون عن هذه الأقسام الثلاثة، فأما قتيل أو مأسور أو نازح، وأما الجريح فإنه يدخل في جملة الناجي، والمأسور، لأن كلاً منهما يجوز أن يكون جريحاً أو أن لا يكون، فاعرف ذلك، وقس عليه.
الضرب الثالث من النوع العشرين
وترتيبه في التفسير وما يصح من ذلك وما يفسد
اعلم أن صحة ترتيب التفسير هي أن يذكر المؤلف في كلامه معاني مختلفة، فإذا عاد إليها بالذكر ليفسرها، قدم المقدم وأخر المؤخر، وإذا لم براع المؤلف ذلك كأن مأخوذاً عليه، لأنه يخل بشطر من الصناعة، فمن ذلك قول بعضهم: