فإنه ليس قصده الشعر بل قصده ما جرى بينهم بهذا الموضع من الغلبة لهم، والقوة عليهم إلا أنه لم يذكر ذلك، بل ذكر الشعر وجعله تعريضاً عنه. أي: لا تفخروا بعد تلك الوقعة، التي جرت لنا ولكم بذلك المكان.
ومن أحسن التعريضات ما كتبه عمرو بن مسعدة إلى المأمون، في حق بعض أصحابه (أما بعد فقد استشفع بي فلان إلى أمير المؤمنين، ليتطول في إلحاقه بنظرائه من الخاصة، فأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك تعدي طاعته). (فوقع المأمون في ظهر كتابه: قد عرفت تصريحك له، وتعريضك لنفسك) فأجبناك إليهما وأمثال هذا كثيرة، وفيما
أشرنا إليه الكفاية.
النوع الثامن من الباب الأول من الفن الثاني
في استعمال العام والخاص في الإثبات
وهو باب من علم البيان تتكاثر فوائده.
اعلم أنه إذا كان الشيئان أحدهما خاص والآخر عام فإن استعمال العام في حالة النفي، أبلغ من استعماله في حالة الإثبات، وكذلك استعمال الخاص في حالة الإثبات أبلغ من استعماله في حالة النفي.
مثال ذلك الإنسانية والحيوانية. فإن إثبات الإنسانية يوجب إثبات الحيوانية، ولا يوجب نفيها نفي الحيوانية. وكذلك نفي الحيوانية يوجب منه نفي الإنسانية ولا يوجب من إثباتها إثبات الإنسانية.