ثواب حتى يجعل ثواب الصالحات خيراً منه، لأن ذلك على طريقة قولهم: تحية بينهم ضرب وجيع.
فكأنه قال: ثوابهم النار ثم بني عليه (خير ثواباً). وفي ذلك ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له (عقابك النار). فإن قيل: فما وجه التفضيل في الخير بين مفاخرات الكفار وثواب الصالحات؟ قلت: هذا من أوجز كلام العرب. ومثله قولهم (الصيف أحر من الشتاء). أي أبلغ في حره من الشتاء في برده. وهذا جائز، لأن الحر لا شك تتفاوت درجاته، فيكون بعضها أشد من بعض، وكذلك البرد أيضاً، فتقول العرب (الصيف أحر من الشتاء) أي إن حر الصيف في بابه أبلغ من برد الشتاء في بابه، مثال ذلك: أن حر الصيف قد بلغ أنهى درجاته، بل يكون قد بقى بينه وبين نهاية البرد درجة أو درجتان، فيكون حر الصيف بالنسبة إلى أصل الحر أبلغ من برد الشتاء بالنسبة إلى أصل البرد. وهذا مثل قولهم (العسل أحلى من الخل) وليس في الخل حلاوة حتى تفضل حلاوة العسل عليها، وإنما المعنى في ذلك كالمعنى في الآية الأولى. . . وأمثال هذا كثيرة، وقد ورد في القرآن الكريم في مواضع منه، كقوله تعالى في سورة الفرقان:(وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين، دعوا هنالك ثبورا. . .) إلى قوله (. . . جزاء ومصيراً) وقد علم أن جهنم ليس فيها خير حتى يجعل الجنة خيراً منها، بل هي شر محض، وعذاب لا خير فيه.
والأصل في هذه الآية ما أشرنا إليه أولاً. . . فاعرفه إن شاء الله - تعالى -.
النوع الخامس من الباب الأول من الفن الثاني
في الإطناب
اعلم أن هذا النوع من أنواع علم البيان، شديد الالتباس. كثير الاعتياص وذلك أن