بعد الوحي فاندرست العلوم، فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وعرفناك العلم بقصص الأنبياء، وقصة موسى - عليهم السلام -). وأما الاكتفاء بالمسبب عن المسبب فكقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) تأويله، والله أعلم إذا أردت قراءة القرآن فاكتف بالمسبب الذي هو (القراءة) عن السبب الذي هو (الإرادة) وهذا أولى من تأول من ذهب إلى إنه أراد (فإذا تعوذت فاقرأ) لأن في ذلك قلباً لا ضرورة بك إليه. وأيضاً فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبة عليه القراءة؛ ومن ذلك قوله تعالى (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه. . .) فاكتفي بالمسبب الذي هو (الانفجار) عن السبب الذي هو (الضرب) وكذلك قوله تعالى (إذ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) أي إذا أردتم القيام إليها. واعلم إنه قد ورد في القرآن الكريم ما هو سبب وهو بعينه مسبب، كقوله تعالى (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) ألا ترى أن العبارة لنهي من لا
يؤمن عن صد موسى، والمقصود نهي موسى عن متابعة الصاد له عن التصديق بالبعث، فقد صلحت العبارة إذا لأداء هذين المعنيين، وذلك أن صد الكفار عن التصديق بالبعث سبب التكذيب، فذكر السبب ليدل به المسبب، وكأنه قال (لا تكذب بالبعث) وأيضاً فإن صد الكفار مسبب عن رخاوة الرجل في الدين، ولين شكيمته، فذكر المسبب ليدل به على السبب كأنه قال (كن شديد الشكيمة ولا تكن رخواً حتى لا يلوح منك لمن يكفر بالبعث أن يطمع في صدك عما أنت عليه). وهذا كقولهم (لا أرينك هاهنا) المراد نهية عن مشاهدته والكون بحضرته، وذلك سبب رؤيته إياه، فكان ذكر المسبب دليلاً على السبب، وهذا من أظرف ما يرد في بابه فاعرفه.