لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاؤه الإنسان، وكان ذكر الاناث، اللتي هن من جملة ما لا يشاؤه الإنسان ولا يختار أهم، فالأهم واجب التقديم، ولبلاء الجنس الثاني (الذي) كانت العرب تعده بلاءً، ذكر البلاء، ولما أخر الذكور وهم أحق بالتقديم ثم تدارك ذلك بتعريفه إياهم؛ لأن التعريف تنويه بالذكر، (كان) كأنه قال (ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم) ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرف أن تقديم الإناث لم يكن لتقدمهن، ولكن لمقتضى آخر) فقال:(أو يزوجهم) ذكرانا وإناثا، وهذه دقائق لطيفة، فلما يتنبه لها أو يعثر على رموزها.
ومن هذا الباب قوله تعالى:(وما تكون في شأن وما تتلو من قرآن ولا. . .) إلى قوله (. . . وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) فإنه إنما قدم الأرض في الذكر على السماء، ومن حقها التأخير؛ لأنه إنما ذكر شهادته على شؤون أهل الأرض وأحوالهم، ووصل ذلك بقوله:(لا يعزب عنه) لاءم بين. . . وأمثال هذا كثيرة فاعرفه.
النوع الثاني عشر من الباب الأول من الفن الثاني
في عطف المظهر على ضميره والإفصاح به بعده
وهذا إنما يعمد إليه لفائدة؛ وهي إما تعظيم حال المعطوف عليه، والتفخيم من شأنه، وإما ضد ذلك ونقيضه، مثال التعظيم قولك. . . (ولما تلاقينا وبنو تميم، أقبلوا إلينا يوفضون وابتدروا نحونا يركضون. وجاءوا كأنهم في تكاثفهم ليل،