يقدر قدر مزاياها إلا من تغذي بليان البلاغة طفلا ونشاً عليها كبيراً وصغيراً، وسلك مناهج هذا العلم، وفاز منه بأوفر الحظ والقسم. ولا يتسع لهذا الضرب من التأليف نطاق هذه الأوراق ولا يمكن أن يودع ما فيه من اللطائف، صفحات ما حررناه من هذه الصحائف، والذي عليه مدار المعول، فيما نورده من المجمل والمفصل، هو البحث عن أسرار البلاغة، والإبانة عن الشيء الذي به يشرف الكلام، وتحصل له المزية على سواه، فتدير ذلك وقس عليه.
القسم السادس من النوع الثالث
في الاعتراض وهو شعبة من (علم البيان) تتكاثر محاسنها
اعلم أن الجائز من هذا القسم. وغير الجائز إنما يؤخذ من كتب النحو، فإنه يكون مستقصى فيها، كالاعتراض بين القسم وجوابه، وبين الصفة والموصوف، وبين المعطوف والمعطوف عليه، وأشباه ذلك مما يجوز استعماله، وكالاعتراض بين المضاف والمضاف إليه، وبين إن واسمها، وبين حرف الجر ومجروره، وأمثال ذلك مما يقبح استعماله، وليس هذا مكانه لأن كتابنا هذا موضوع لمن استكمل معرفة ذلك وغيره، مما أشرنا إليه في صدر الكتاب، وإن ما أشرنا إليه هاهنا من الاعتراض ما يفرق المؤلف به بين الجيد منه والرديء لا ما يعلم به الجائز، وغير الجائز، فاعرف ذلك.
واعلم أن الاعتراض ينقسم إلى قسمين: أحدهما لا يأتي في الكلام إلا لفائدة، وهو جار مجرى التوكيد في كلام العرب، والآخر يأتي في الكلام لفائدة. فما جاء منه قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) هذا كلام فيه اعتراضان أحدهما (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) لأنه اعتراض بين القسم، الذي هو (فلا أقسم بمواقع النجوم) وبين جوابه الذي هو (إنه لقرآن كريم) وفي نفس هذا الاعتراض اعتراض آخر، بين الموصوف الذي هو (قسم) وبين صفته التي هي (عظيم) وهو قوله تعالى (لو تعلمون) فذانك اعتراضان كما ترى، فلو جاء الكلام، غير معترض فيه،