مقابلك على فعلك ومجازيك بحسنه، فمن ذلك قوله تعالى (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل، وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله، قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار) فقوله (تمتع بكفرك) من باب الخذلان، كأنه قال له: إذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة فمن حقك أن لا تؤمر به بعد ذلك، وتؤمر بتركه، وهذا مبالغة في خذلانه لأن المبالغة في الخذلان أشد من أن يبعث على ضد ما أمر به.
ومن هذا الباب قوله تعالى (قل الله أعيد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه). الآية، فإن المراد بهذا الأمر الوارد على وجه التخيير المبالغة في الخذلان، على ما سبق ذكره، وفي هذا الكلام معنيان لطيفان: الأول رأى أن عبادتهم لله وعبادتكم لغيره إنما تنفع أو تضر لكم لا لسواكم والله - تعالى - لا يؤثر ذلك عنده شيئاً، لأن مستغن عن عبادتكم له. الثاني توعده لهم بالمقابلة على فعلهم من غير إصراح بالوعيد، وذلك أبلغ من الاصراح به؛ لوقوع الموعود في حيرة من أمره، وترامي وهمه عند ذلك إلى كل خطب عظيم من المجازاة والمقابلة، كقولك لمن عصى (افعل ما شئت إني مقابلك) وهذا نوع من علم البيان شريف.
النوع السابع عشر من الباب الأول من الفن الثاني
في الاشتقاق
اعلم أن جماعة علماء هذه الصناعة يفضلون الاشتقاق على التجنيس، وليس الأمر
كما وقع لهم، بل التجنيس أمر عام لهذين النوعين من الكلام؛ وذلك لأن التجانس في أصل الوضع