اعلم أيها المتأمل لكتابنا هذا، أنا مارسنا هذه الصناعة، وبيناها من طرف كثيرة، وأبواب متعددة، وخبرنا ما ينفع المتدرب من ذلك، وما يكون أعون له، وأجدى عليه وأقرب إلى تعليمه وإفادته، فلم نجد ما هو أسهل مأخذاً، وأقرب متناولاً، سوى طريق واحد نحن ذاكروه في هذا الكتاب، فنقول:
يجب على المبتدئ في هذا الفن والمترشح له إذا آتاه الله عز وجل طبعاً مجيباً، وقريحة مواتية، وكان مستكملاً لمعرفة ما يجب على المؤلف معرفته، مما أشرنا إليه في صدر هذا الكتاب، أن يأخذ رسالة من الرسائل، أو قصيدة من الشعر، يقف على معانيها، ويتدبر أوائلها وأواخرها، ويقرر ذلك في قلبه. ثم يكلف نفسه عمل مثلها، مما هو في معناها، ويأخذ تلك الألفاظ التي فيها، ويقيم عوض كل لفظه لفظة من عنده، تسد مسدها، وتؤدي المعنى المندرج تحتها، ولا يزال كذلك، حتى يأتي على آخرها. ثم بعد فراغه منها يشتغل بتنقيح ألفاظها وتجويدها. وارتباط بعضها ببعض، فإذا استتم عمله انتقل منه إلى غيره، وفعل فيه فعله أولاً، ولا يزال