من شأن مقابلة خطابهم لموسى بمثله أن كان، قالوا: إما أن تلقي وإما أن تلقى. لتكون الجملتان متقابلتين. فحيث قالوا عن أنفسهم (وإما أن نكون نحن الملقين) استدل بذلك على رغبتهم في الإلقاء قبله.
وهذه معان لطيفة ورموز غامضة لا ينتبه لها إلا الفطن اللبيب، فاعرفها.
النوع السابع من الباب الأول من الفن الثاني
في الكناية والتعريض
اعلم أن لهذا النوع من الكلام موقعاً شريفاً، ومحلاً كريماً. وهو مقصور على المليل مع المعنى، وترك اللفظ جانباً. وذلك نوع من علم البيان لطيف. وقد تكلم جماعة المؤلفين في هذا الفن فوجدتهم قد خلطوا الكناية بالتعريض، ولم يفرقوا بينهما، بل أوردوا لهما (أمثلة) من النظم والنثر، وأدخلوا أحد القسمين في الآخر، فذكروا للكناية أمثلة من التعريض، وللتعريض أمثلة من الكناية، فمنهم أبو محمد بن سنان الخفاجي، وأبو هلال العسكري، والغانمي. فأما ابن سنان، فإنه ذكر في كتابه قول امرئ القيس:
فصرنا إلى الحسنى ورق كلامها ... ورضتُ فذلّت صعبة أي إذلال
وهذا مثال ضربه للكناية عن المباضعة، وهو مثال للتعريض. وسنورد لك أيها الناظر في كتابنا فرق ما بين الكناية والتعريض، وتمييز أحدهما عن الآخر، ونعرف كلا منهما على انفراده فنقول:
أما الكناية فهي: أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له كما كنى الله تعالى عن الجماع: