اعلم أن هذا باب غامض، متعذر على الوالج، ومسلك وعر، مستصعب على الناهج. ولم يزل الناس من قديم الوقت، وهلم جراً، يتهافتون على الخوض فيه، والغوص عليه، وهم مع كثرة طلبهم لمعرفته، وتوفر حرصهم على الإحاطة به، لا يظفرون منه إلا كنغبة طائر أو قطرة من بحر زاخر. وقد قال بعض المصنفين من العلماء: (لم أزل منذ خدمت أهل العلم، انظر فيما قالوه في معنى الفصاحة والبلاغة، وأستكشف عن المعنى في ذلك، فلا أجد إلا كالرمز والاشارة، ولا أقف فيه على قول شاف، ولا كلام كاف. فلما رأيت الأمر كذلك، علمت إنه لا يكفي في معرفة هذا العلم العظيم، الذي كان به إعجاز القرآن الكريم، قول مهمل، ولا كلام مجمل. بل لا تتم معرفته حتى يفصل فيه القول، ويدل على الخصائص التي تأتي في تأليف الكلام، ويوضح إيضاحاً جلياً من غير مغادرة لشيء من ذلك، حتى تكون المعرفة بهذا العلم كمعرفة الصانع الحاذق، الذي يعلم كل هدبة منسوجة من الابريسم في الثوب الديباج، وكل حجر من الأحجار الداخلة في البناء، فأنك إذا نظرت إلى هذا العلم الشريف احتجت عند ذلك إلى طول مكث وتدبر، وكثرة تأمل وتفكر، والى همة تأبى أن تقنع إلا بأعلى المنازل، وأسمى المراتب. ومتى جشمت