للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفرع الخامس من الأرداف]

ليس مما تقدم بشيء وذلك نحو قوله - تعالى: (عفا الله عنك لِمَ أذِنت لهم) والمعنى المراد من هذا الكلام: أنك أخطأت وبئسما فعلت وقوله: (لم أذنت لهم) بيان لما كنى عنه بالعفو، أي مالك أذنت لهم، وهلا استأنيت؟ فذكر العفو دليلٌ على الذنب ورادف له وإن لم يذكره. وكذلك جاء قوله - تعالى -: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس، والحجارة أعدت للكافرين) قيل لهم: إن استنبتم العجز عن المعارضة فاتركوا العناد. فوضع قوله (فاتقوا النار) موضعه، لأن اتقاء النار لصيقه وصميمه من حيث إنه من نتائجه وروادفه لأنَّ من اتقى النار ترك المعاندة. ونظيره أن يقول الملك لحشمه: (إن أردتم الكرامة عندي فاحذروا سخطي) يريد فأطيعوني واتبعوا أمري، وافعلوا ما ينتجه حذر السخط و (ذلك) رادف له. ومن هذا الباب قوله - تعالى -: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا). ألا ترى إلى لطافة هذه الكناية؛ فإنها أفادت تكذيب دعواهم، ودفع ما انتحلوه. وفائدتها هاهنا: أنه روعي في تكذيبهم أدب حسن، حيث لم يصرح بلفظه، فلم يقل (كذبتم) لأن فيه نوع استقباح في الخطاب، ووضع قوله - تعالى - (لم تؤمنوا) الذي هو نفي ما ادعوا بيانه موضعه، لأن ذلك رادف له. ومما يجري هذا المجرى قوله - تعالى -: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم. . .) إلى قوله (. . . مؤمنون) فإن الغرض بقولهم (إنا بما أرسل به مؤمنون) جواباً عن سؤالهم: (أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه؟) إثبات العلم بإرساله، وأنه من الأمور الظاهرة المسلمة، التي لا يدخلها ريب، ولا يعترضها شك، لكن عدل عن ذلك إلى ما هو دليل عليه، ورادف له، وهو الإيمان به: أعني بصالح، وإنما صح منهم بعد ثبوت نبوته عندهم،

<<  <   >  >>