للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضرب السادس من القسم الأول من النوع الرابع

وهو حذف الموصوف والصفة وإقامة كل منهما مقام الآخر

وأكثر ذلك يجيء في الشعر، وإنما كانت كثرته في الشعر دون الكلام المنثور؛ لأن القياس يكاد يحطره؛ وذلك لأن الصفة تأتي في الكلام على ضربين: إما للتأكيد والتخصيص وإما للمدح والذم، وكلاهما من مقامات الإسهاب والتطويل، لا من مقامات الإيجاز والاختصار. وإذ كان الأمر كذلك لم يلق الحذف به. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الالتباس وضد البيان، ألا ترى أنك إذا قلت: (مررت بطويل) لم بين من ظاهر هذا اللفظ الممرور به؛ إنسان هو أم رمح أم ثوب أم غير ذلك. وإذا كان الأمر كذلك فحذف الموصوف إنما هو شيء قام الدليل عليه أو شهدت به الحال. وكلما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق.

ومما يؤكد عندك ضعف حذف الموصوف أنك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه؛ وذلك أن تكون الصفة جملة نحو: (مررت برجل قام أبوه، ولقيت (غلاماً) وجهه حسن) ألا تراك لو قلت: مررت بقام أبوه ولقيت وجهه حسن لم يجز.

واعلم إنه قد أقيمت الصفة الشبيهة بالجملة مقام الموصوف المبتدأ في قوله تعالى: (وإنا مِنا الصالحونَ ومنا دون ذلك). (أي قوم دون ذلك) فأما حذف الصفة وإقامة الموصوف مقامها فإنه لا يكون إلا فيما دلت الحال عليه، فمن ذلك ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: (سير عليه ليلٌ) وهم يريدون: (ليلٌ طويلٌ). وإنما حذفت الصفة في هذا

<<  <   >  >>