ذلك: أن ثم فلتات غير أنها لا تذاع، وليس المراد ذلك، بل المراد إنه لم يكن ثم فلتات أصلاً، فتذاع، وهذا من أعجب ما وقفت عليه في علم البيان وأطرافه.
وأما ما ورد عن العرب في هذا الباب، فنحو قول الشاعر:
(ولا ترى الضبَّ بها ينجحر).
فإن ظاهر المعنى من ذلك يعطي إنه قد كان هناك ضب إلا إنه غير منجحر، وليس كذلك بل المعنى المقصود، هو إنه لم يكن هناك ضب أصلاً فينجحر. فاعرف هذا، وقس عليه. وله أشباه كثيرة في كلامهم وأشعارهم، وفيما أشرنا إليه كفاية، لمن له لب ومعرفة.
القسم الرابع من النوع الثالث
في الحمل على المعنى
وذلك كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث وتصوب معنى الواحد للجماعة، والجماعة للواحد، وحمل الثاني على لفظ الأول، أصلاً كان ذلك اللفظ أو فرعاً، وغير ذلك.
اعلم أن هذا القسم من التأليف دقيق المسلك، بعيد المذهب، يحتاج إلى فضل معاودة وزيادة تأمل، وقد ورد في القرآن الكريم، وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً. فأما تأنيث المذكر فكقول الشاعر:
أتهجر بيتاً بالحجاز تلفتْ ... به الخوف والأعداء من كل جانب
ذهب بالخوف إلى المخافة، وقال الآخر:
يا أيها الراكب المُزجِيْ مطيَّتَهُ ... سائل بني أسد ما هذه الصوت