للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الاستعارة الثانية، وهو قول الشاعر: (كبد المعروف) فإن بعدها بما استعيرت له، وقبحها مما لا يحتاج فيه إلى الشرح لوضوحه وبيانه. وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى. فعلى المؤلف اجتنابها، والعدول عنها.

النوع الثاني من الفن الثاني

التشبيه

وحده أن يثبت للمشبه حكم من أحكام المشبه به. ويقال: هو الدلالة على اشتراك شيئين في معنى من المعاني، وأن أحدهما يسد مسد الآخر وينوب منابه، سواء كان ذلك حقيقة أو مجازاً. فأما الحقيقة، فهو أن يقال في شيئين أحدهما شبيه بالآخر في جميع أوصافه، كالسوادين والبياضين أو ما جرى مجراهما، وليس هذا من غرضنا. وأما المجاز، فهو أن يقال في شيئين أحدهما شبيه بالآخر في يعض أوصافه كقولنا: (زيد أسد) فهذا القول صواب من حيث (كلام) العرب، وداخل في باب المبالغة، إلا إنه لم يكن زيد أسداً على الحقيقة.

واعلم أن فائدة التشبيه هي الكشف عن المعنى المقصود، مع ما يكتسبه من فضيلة الإيجاز والاختصار. والدليل على ذلك ما ذكرناه من قولنا: (زيد أسداً). فإن الغرض من هذا القول أن نبين حال زيد، وأنه متصف بشامة النفس، وقوه

البطش، والشجاعة، وغير ذلك مما جرى هذا المجرى. إلا أننا لم نجد شيئاً ندل به عليه، سوى أن جعلناه مشبهاً بالأسد، حيث كانت هذه الصفات مختصة به، ومقصورة عليه. فصار ما قصدناه من هذا القول، اكشف وأبين من أن لو قلنا: (زيد شهم، شجاع قوي البطش، جريء الجنان) وأشباه ذلك، لما قد عرف وعهد من اجتماع هذه الصفات في المشبه به، أعني الاسد، فإنه معروف بها، مشهور بكونها فيه، واشتمالها عليه. وأما المشبه، أعني (زيداً) فليس معروفاً بها، ولا منسوباً إليها، وإن كانت موجودة فيه.

<<  <   >  >>