وإنما يعمد إلى ذلك لضرب من التأكيد لما تقدمه، والإشعار بتعظيم شأنه أو بالضد من ذلك، فمثال الأول قوله تعالى (ويوم ينفخ في الصور، ففزع من في السموات ومن في الأرض) إلى قوله (. . . وهم من فزع يومئذ آمنون) و (من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون). (فصنع الله) من المصادر المؤكدة لما قبلها، كقوله (وعْد الله، وصبغة الله)، ألا ترى أنه لما جاء ذكر هذا الأمر العظيم، الدال على القدرة الباهرة، من النفخ في الصور، وإحياء الأموات، والفزع. وإحضار الناس للحساب ومسير الجبال كالسحاب في سرعتها، وهي عند الرؤية لها والمشاهدة كأنها جامدة، عقب ذلك أن قال (صنع الله) والمعنى أن هذا الأمر العجيب البديع صنع الله، والمعنى (ويوم ينفخ في الصور، وكان كيت وكيت من الأشياء الباهرة، وأثاب الله المحسنين، وعاقب المجرمين)
فجعل هذا الصنع من جملة الأمور التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والثواب، حيث قال:(صنع الله الذين أتقن كل شيء) يعني أن مقابلة الحسنة بالثواب، والسيئة بالعقاب من إحكامه للأشياء وإتقانه لها، وإجرائه إياها على قضايا الحكمة، أي إنه عالم بما تفعل العباد وبما يستوجبون عليه، فيكافئهم على حسب أفعالهم، ثم لخص ذلك بقوله تعالى:(من جاء بالحسنة. . .) إلى آخر الآيتين.
فانظر أيها المتأمل إلى بلاغة هذا الكلام وحسن نظمه وترتيبه، ومكانه إضماره، ورصانة تفسيره، وأخذ بعضه برقاب بعض، كأنما أفرغ إفراغاً واحداً. ولأمر ما أعجز القوي وأخرس