فكأنه قد قال (فكأنما كانت صباً وصباً) لأن الصباً هي القبول، وليس ذلك مثل
التكرير في قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فيما يرجع إلى تكرير اللفظ والمعنى. ولا مثل التكرير في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف) فيما يرجع إلى تكرير المعنى دون اللفظ؛ لأن كل واحدة من هاتين الآيتين تشتمل على معنيين: خاص وعام، وقول ابن هانئ (صباً وقبولا) لا يعطى إلا معنى واحداً لا غير، وهذا لا يخفى على المعارف بصناعة التأليف.
ومن هذا النحو قول الصابي في كتاب:(وصل كتابك بعد تأخير وإبطاء، وانتظار له واستبطاء) فإن التأخير والإبطاء بمعنى واحد، وقد يكون لهذا وجه في التجويز، وهو التقرير في نفس المخاطب لبعد الأمد، وتطاول المدة في انقطاع كتابه عنه، وذلك مما لا بأس به في هذا الموضع، وأمثال ذلك كثيرة، فاعرفها.
النوع العشرون من الباب الأول من الفن الثاني
في تناسب المعاني
وهو ثلاثة أضرب:
[الضرب الأول المطابقة وهي المقابلة]
اعلم أن جماعة العلماء من أرباب هذه الصناعة قد أجمعوا على أن المطابقة في الكلام: هي الجمع بين الشيء وضده، كالسواد والبياض والليل والنهار، وخالفهم في ذلك أبو الفرج قدامة ابن جعفر الكاتب فقال:(المطابقة إيراد لفظتين متساويتين في البناء والصيغة مختلفتين في المعنى). وهذا الذي ذكره قدامة هو (التجنيس) بعينه، غير أن الأسماء لا مشاحة منها إلا إذا كانت مشتقة، ولننظر نحن في مخالفة قدامة لجماعة العلماء في اسم المطابقة ليعلم الحق في أي الجهتين مقره، وذلك أنا ننظر إلى أصل المطابقة في وضع اللغة فإن كانت مناسبة لما أجمع عليه
العلماء تحققنا أن الحق معهم، وإن كانت مناسبة لما ذكره قدامة تحققنا أن الحق في يده فرأينا: أصل الطباق في اللغة من (طابق البعير في سيره) إذا وضع رجله موضع يده، وهذا يقوي