ولم يقل:(وقالوا) كالذي قبله، للدلالة على صدور الكلام
عن إنكار عظيم، وغضب شديد، وتعجب من كفرهم بليغ. ولاسيما وقد انضاف إلى ذلك قوله تعالى:(وقالوا للحق لما جاءهم. . .) وما فيه من الإشارة إلى القائلين، والمقول فيهم، وما في ذلك من المبادهة؛ كأنه قال تعالى (وقال أولئك الكفرة، المتمردون بجرأتهم على الله، ومكابرتهم لمثل ذلك الحق المنير، قبل أن يذوقوه: إن هذا إلا سحر مبين). وأمثال هذا كثيرة، فاعرفها.
النوع الثالث عشر من الباب الأول من الفن الثاني
في التخلص والاقتضاب
ولهذا النوع من الكلام، محل كريم، وموقع لطيف.
فأما التخلص، فهو أن يأخذ المؤلف في معنى من المعاني، فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر، وجعل الأول سبياً إليه، فيكون بعضه آخذاً برقاب بعض، من غير أن يقطع المؤلف كلامه، ويستأنف كلاماً آخر، بل يكون جميع كلامه، كأنما أفرغ إفراغاً، وذلك مما يدل على حذق الشاعر، وقوه تصرفه، وطول باعه، واتساع قدرته، من أجل أن الشاعر يضيق عليه نطاق الكلام، ويكون متبعاً للوزن والقافية، فلا توافيه الألفاظ على حسب إرادته، ولا تتزن له.
وأما الناثر فانه مطلق العنان، يمضي حيث شاء فلذلك يشق التخلص على الشاعر أكثر مما يشق على الناثر.
وأما الاقتضاب فهو ضد التخلص، وذلك أن يقطع الشاعر كلامه الذي هو فيه ويستأنف كلاماً آخر غيره من مدح أو هجاء أو غير ذلك. ولا يكون للثاني علاقة بالأول، ولا تلفيق بينه وبينه، وهو مذهب القدماء من صنعة الشعر، وسيأتي بيانه. وأما المحدثون فإنهم تصرفوا