أن يصح لهم صدقه أو كذبه، ألا ترى إلى قوله تعالى (لما جاءه) أي إنه ضعيف العقل عازب الرأي فعدل عن ذلك إلى ما هو دليل عليه وأردف له و (هو) قوله تعالى (لما جاءه) وذلك آكد وأبلغ ومن هذا الباب أيضاً. (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى، وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم، إن هذا إلا سحر مبين) والكلام على ذلك كالكلام على الذي قبله فاعرفه.
[الفرع الثاني من الأرداف]
وهو باب (مثل) وذلك دقيق الصفة لطيف المغزى اعلم أن العرب تأتي (بمثل) في هذا الموضع توكيداً للكلام وتثبيتاً لأمره. يقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح:(مثلى لا يفعل هذا) أي أنا لا أفعله فنفى ذلك عن مثله وهو يريد نفيه عن نفسه، قصداً للمبالغة، فسلك به طريق الكناية، لأنه إذا نفاه عمن يماثله أو يشابهه فقد نفاه عنه لا محالة.
وكذلك أيضاً قولهم (مثلك إذا سئل أعطى) أي أنت كذلك، وهو كثير في الشعر القديم والمولد والكلام المنثور. وسبب توكيد هذه المواضع ب (مثل) أنه يراد أن يجعل من جماعة هذه أوصافهم، تثبيتاً للأمر، وتمكيناً له ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه، ولم ترس فيه قد مُه.
ومثل ذلك قولهم في مدح الإنسان:(أنت من القوم الكرام) أي لك في هذا الفعل سابقة، وأنت حقيق به، ولست دخيلاً فيه. وقد ورد هذا الباب في القرآن الكريم، كقوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). وهذا كقولهم (مثلك لا يبخل) فنفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصداً للمبالغة: لأنهم إذا نفوه
عمن يسد مسده، وهو على أخص أوصافه، فقد نفوه عنه. ونظير ذلك قولك للعربي (العرب لا تخفر الذمم).