(باللمس) فإن حقيقة (اللمس) هي (الملامسة) يقال: لمست الشيء إذا لامسته، ولما كان الجماع (ملامسة بالأبدان وزيادة أمر آخر) أطلق عليه اسم: (اللمس) مجازاً. وضد الكناية التصريح.
وأما التعريض: فهو أن تذكر شيئاً يدل على شيء لم تذكره وأصله: التلويح من عرض الشيء؛ أي من جانبه، وأعلم أن (بيت) امرئ القيس الذي ذكره ابن سنان الخفاجي مثالا للكناية، هو عين التعريض، فإن غرضه من ذلك أن يذكر الجماع، غير إنه لما استقبح ذكره لم يذكره بل ذكر كلاماً آخر، ودل به عليه؛ لأن المصير إلى الحسنى ورقة الكلام، لا يفهم منهما ما أراده امرؤ القيس من المعنى، وذلك مما لا خفاء به، فاعرفه.
وحيث فرقنا بين الكناية والتعريض، وميزنا كلاً منهما عن الآخر، فلنفصلهما
ونذكر أقسامهما، ولنبدأ أولاً بالكناية فنقول:
اعلم أن الكناية على ضربين: أحدهما ما يحسن استعماله (والآخر ما يقبح استعماله)، وهو عيب في صناعة التأليف. فأما الضرب الأول الذي يحسن استعماله فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: التمثيل: وهو التشبيه على سبيل الكناية، وذلك أن تراد الإشارة إلى معنى، فتوضح ألفاظ (تدل) على معنى آخر، وتكون تلك الألفاظ وذلك المعنى مثالاً للمعنى الذي قصدت الإشارة إليه والعبارة عنه كقولنا (فلان نقي الثوب). أي منزه عن العيوب.
وللكلام بها، فائدة لا تكون لو قصدت المعنى بلفظه الخاص، وذلك لما يحصل للسامع من زيادة التصور للمدلول عليه؛ لأنه إذا صور نفسه مثال ما خوطب به كان أسرع إلى الرغبة فيه أو الرغبة عنه. فمن بديع التمثيل قوله تعالى:(أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا). فأما تمثيله الاغتياب بأكل لحم إنسان آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله لحم الأخ ولم يقتصر على لحم الأخ حتى جعله ميتاً ثم جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة،