وإقامة الصلاة، كأن ذلك واجب على الجمهور، ثم خص موسى - صلوات الله عليه - بالبشارة التي هي الغرض، تعظيماً له وتفخيماً لا مره، ولأنه الرسول على الحقيقة.
ومن هذا النحو قوله تعالى: حكاية عن حبيب النجار (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) هذا عدول عن خطاب الواحد، إلى خطاب الجماعة. وإنما صرف الكلام عن خطاب نفسه إلى خطابهم، لأن أبرز الكلام لهم في معرض المناصحة لنفسه، وهو يريد مناصحتهم، ليلطف بهم، ويداريهم، ولأن ذلك دخل في إمحاض النصح؛ حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، وقد وضع قوله:(ما لي لا أعبد الذي فطرني) مكان قوله: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، ألا ترى إلى قوله (وإليه ترجعون) ولولا إنه قصد ذلك لقال: الذي فطرني وإليه أرجع، وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال (تعالوا إني آمنت بربكم فاسمعون) يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني، فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه، لأن العبادة لا تصح إلا لمن مبتدؤكم، وإليه مرجعكم.
فانظر أيها المتأمل لكتابنا هذا، إلى هذه الدقائق التي أشرنا إليها في غضون هذا الكلام، فإن فيها ما شئت من اللطائف اللطيفة، والفوائد العجيبة.
القسم الثاني من النوع الثالث
في الإخبار عن الفعل الماضي بالمضارع وعن الفعل المضارع بالماضي
وهو قسم من التأليف، لطيف المأخذ، دقيق المغزى، فالأول: الإخبار بالفعل المضارع عن الماضي، اعلم أن الفعل المضارع إذا أني به في حال الإخبار عن وجود الفعل كان ذلك أبلغ من الإخبار بالفعل الماضي، وذلك لأن الفعل المضارع يوضح الحال التي يقع فيها، ويستحضر تلك الصورة حتى كأن السامع يشاهدها، وليس كذلك الفعل الماضي، فمما جاء قوله تعالى: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك