النشور) فإنه إنما قيل فتثير سحاباً، مضارعاً، وما قبله وبعده ماض، لذلك المعنى الذي أشرنا إليه، وهو حكاية الحال التي يقع فيها إثارة الريح السحاب، واستحضار تلك الصورة البديعة، الدالة على القدرة الباهرة، وهكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز وخصوصية، بحال تستغرب أو تهم المخاطب أو غير ذلك كما قال تأبط شراً: -.
فإني قد لقيت الغُوْلَ تهوي ... بسهب كالصِّحيفة صحصحان
فأضرُ بها بلا دَهَش فخرّت ... صريعاً لليدين وللجران
لأنه قصد أن يصور لقومه، الحال التي تشجع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويطلعهم على كنهها مشاهدة، للتعجب من جرأنه على ذلك الهول، وثباته عند تلك الشدة. ولو قال فضربتها لزالت هذه الفائدة التي ذكرناها ونبهنا عليها.
ومن هذا الباب قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير) ألا ترى كيف عدل عن لفظ الماضي هاهنا إلى المضارع فقال (فتصبح) وذلك لإفادة بقاء المطر زماناً بعد زمان كما يقال (أنعم
علي فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكراً له) ولو قال (فرحت وغدوت شاكراً له) لم يقع ذلك الموقع فإنهم ما أشرنا إليه وتدبر دقائقه.
وأما الإخبار بالفعل الماضي عن المضارع، فهو عكس ما تقدم ذكره، وفائدته: أن الفعل الماضي إذا أحبر به عن الفعل المضارع إذا لم يوجد بعد، كان أبلغ وأكد، وأعظم موقفاً