وأفخر شأناً. لأن الفعل الماضي يعطي من المعنى إنه قد كان وجد وصار من الأمور المقطوع بها، المحكوم بكونها وحدوثها. والفرق بينه وبين الأخبار بالفعل المضارع عن الماضي، هو أن الفعل الماضي يخبر به عن المضارع، إذا كان المضارع من الأشياء الهائلة، التي لم توجد، والأمور المتعاظمة التي لم تحدث، فيجعل عند ذلك مما قد كان ووجد، ووقع الفراغ من كونه وحدوثه. وأما الفعل المضارع إذا أخبر به عن الماضي، فإن الغرض بذلك تبين هيئة الفعل، واستحضار صورته، ليكون السامع كأنه يعاينها ويشاهدها. فهذا هو الفرق بين الأخبار بالفعل المضارع عن الماضي (وبالمضارع عن الماضي) فاعرفه.
ولنرجع إلى ما نحن بصدد: كره من الأمثلة للأخبار بالفعل الماضي عن المضارع، فمن ذلك قوله تعالى:(ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا ما شاء الله وكل أنوه داخرين) فإنه إنما قال: (ففزع) بلفظ الماضي بعد قوله (ينفخ) وهو للمستقبل، للأشعار بتحقيق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة، واقع على أهل السموات والأرض، لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل، وكونه مقطوعاً به.
ومن هذا الجنس قوله تعالى (وبرزوا الله جميعاً)(فبرزوا) بمعنى يبرزون يوم القيامة، وإنما جيء بلفظ الماضي، لأن ما أخبر الله به لصدقه وصحته كأنه قد كان ووجد. ومثل ذلك قوله - عز اسمه - (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) فإن (أتى)
هاهنا بمعنى (يأتي) وإنما حسن فيه لفظ الماضي، لصدق إتيان الأمر ودخوله في جملة ما لا بد من حدوثه ووقوعه، فصار (يأتي) بمنزلة قد أتى ومضى، وكذلك قوله - تعالى - (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة، وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) فإنه إنما قال (وحشرناهم) ماضياً بعد (نسير)(وترى) وهما مستقبلان للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز، ليعانوا