يفعل ذلك لتفخيم المبهم وإعظامه؛ لأنه هو الذي يطرق السمع أولا، فيذهب السامع كل مذهب كقوله تعالى:(وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع
مصبحين) ففسر (ذلك الأمر) بقوله: (دابر هؤلاء مقطوع). وفي إبهامه أولاً، وتفسيره بعد ذلك تفخيم للأمر، وتعظيم لشأنه، فإنه لو قال تعالى:(وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع. . .) لما كان بهذه المثابة من الفخامة، فإن الإبهام أولاً يوقع السامع في حيرة وتفكّر، واستعظام لما قرع سمعه، وتشوق إلى معرفة كنهه، والاطلاع على حقيقته.
ومن هذا الباب قوله تعالى:(اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم. . .)(فإنه إنما قال ذلك، ولم يقل: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم) لما في الأول من التنبيه، والإشعار بأن الصراط المستقيم هو صراط المؤمن، فدل عليه بأبلغ وجه، كما تقول:(هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم!؟) ثم تقول: (فلان) فيكون ذلك أبلغ في وصفقه بالكرم والفضل من قولك: (هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل) لأنك تثبت ذكره مجملاً ومفصلاً، فجعلته علماً في الكرم والفضل، كأنك قلت: من أراد رجلاً جامعاً للخصلتين فعليه بفلان.
وعلى نحو من هذا جاء قوله تعالى: (وقال الذين آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد