للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(إنا معكم) وهذه نكت دقيقة ولطائف خفية لا توجد في نوع من الكلام العربي إلا في القرآن الكريم، وما أكثر ذلك وأمثاله في أثنائه وأوفره! مودعاً في غضونه، فاعرفه وقس عليه.

النوع الثاني والعشرون من الباب الأول من الفن

الثاني

في ورود لام التأكيد في الكلام

ولا يجيء ذلك إلا لضرب من المبالغة، وفائدتها في التأليف أنه إذا عبر عن أمر بعز وجوده، أو فعل يعظم إحداثه ووقوعه، جيء بها محققة لذلك، وشاهدة، فمن هذا الباب قوله عز وجل: (أفرايتم ما تحرثون، أأنتم تزرعون أم نحن الزارعون، لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون، إنا لمغرمون، بل نحن محرومون، أفرأيتم الماء الذي نشربون، أأنتم أنزلتوه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون). ألا ترى كيف أدخلت (اللام) في آية المطعوم دون آية المشروب، وإنما جاءت كذلك لأن جعل الماء العذب ملحاً أسهل إمكاناً، والموجود من الماء الملح أكثر من الموجود من الماء العذب، وكثيراً ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة والمرارة، فلم يحتج في

جعل الماء العذب ملحاً إلى زيادة تأكيد، فلذلك لم تدخل عليه (لام التأكيد) المفيدة زيادة للتحقيق، وأما المطعوم فإن جعله حطاماً لما كان خارجاً عن المعتاد أو هو غير مألوف، وإذا وقع فلا يكون إلا عن سخط شديد وغضب زائد، لذلك قرن بلام التأكيد زيادة في تحقيق أمره وتقرير إيجاده وكونه. وهكذا يفعل بكل أمر فيه خصوصية، فاعرفه.

<<  <   >  >>