والعلم بإرساله إليهم، فالإيمان به إذن دليل على العلم بأنه نبي مرسل. وهذا من دقائق الأرداف ولطائفه.
وأمثال ذلك كثيرة كقول الأعرابية في حديث أم زرع:(له إبل قليلات المسارح، كثيرات المبارك. إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) فإن الظاهر من هذا القول أن إبله تنزل بفنائه، ولا تبرح ليقرب عليه نحرها للأضياف. فإذا ضرب المزهر للقيا (ن) نحرها لضيوفه. لقد اعتادت هذه الحالة وألفتها. وغرض الأعرابية من هذا الكلام أن تصف زوجها بالجود والكرم، ولكنها لم تذكر ذلك بلفظه الدال عليه وإنما أتت بمعان، هي أدلة على ذلك من غير تصريح بمرادها. وكذلك قال بعضهم:
وددت - وما تغني الودادة - أنني ... بما في ضمير الحاجبية عالم
فإن كان خيراً سرَّني وعلمته ... وإن كان شراً لم تلُمني اللوائم
فإن المراد من قوله (لم تلمني اللوائم) أني أهجرها، فأضرب عن ذلك جانباً، ولم يذكر اللفظ المختص به، ولكنه ذكر ما هو دليل عليه ورادف له. وفيما أشرنا إليه من ذلك كفاية للمتأمل.
والقسم الثالث من الكناية وهو المجاورة. وذلك أن يريد المؤلف ذكر شيء فيترك ذكره جانباً إلى ما جاوره، فيقتصر عليه، اكتفاء بدلالته على المعنى المقصود، كقول عنترة:
وشككت بالرمع الأصمّ ثيابه ... ليس الكريم على للقنا بمحرّم
أراد بالثياب هاهنا نفسه؛ لأنه وصف المشكوك بالكرم ولا توصف الثياب به، فثبت حينئذ أنه أراد ما تشتمل عليه الثياب، في ذلك من الحسن ما لا ينكره العارف بهذه الصناعة وقال أيضاً: