اعلم أيها المنتصب لهذه الصناعة، إنه يجب عليك إذا أردت تؤلف شيئاً من الكلام، منثوراً كان أو منظوماً، أن تأخذ من نفسك، ساعة نشاطك وفراغ بالك، وإجابتها لك، فإن قليل تلك الساعة أجدى عليك بما يعطيك يومك بالكد والمطاولة. وإياك والتوعر فإنه يسلمك إلى التعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك، وسنبين لك فيما يأتي من هذا الكتاب ما تتوقي به ذلك؛ فإذا حاولت أمراً بديعاً فالتمس له لفظا يناسبه، فإنه جدير بالمعنى الشريف أن يكون لفظه شريفاً. وإذا وجدت ذلك فهو الدرجة التي لا أمد وراءها، والمنزلة التي لا مطلع فوقها. وعليك بتنقيح الألفاظ وتحسينها، فإن الخطب الرائقة والأشعار البارعة، لم تعمل لا فهام المعاني فقط، لأنه لو قصد بها الإفهام فقط لكان الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد في الأفهام، وإنما عملت الخطب والأشعار لأجل الإتيان ببداعة اللفظ، وأحكام صنعته. ولسنا نعني بذلك أن يجعل المؤلف همته مقصورة على تجويد الألفاظ، ويهمل المعاني المنوطة تحتها، وإنما المعني به أن تكون المعاني المقصودة ذات ألفاظ حسنة رائقة، وسنذكر معرفة اللفظ الجيد من الرديء، والفرق بينهما، فيما، يأتي من كتابنا هذا.
واعلم أن المعنى هو عماد اللفظ، واللفظ هو زينة المعنى. والمعاني بمنزلة الأرواح، والألفاظ بمنزلة الأجساد، فأول ما يجب على المتكلم أن لا يؤلف كلامه من ألفاظ رديئة. ثم إن ألفه من