ألفاظ جيدة حسنة، فإنه لا يكون لها مزية ورونق إلا بإيداعها معنى شريفاً واضحاً؛ لأن الألفاظ لا تراد لنفسها، وإنما تجعل أدلة على المعاني، فإذا عد مت الذي يراد منها لم يعتد لها بالأوصاف التي تكون لها. ألا ترى أن قولك (فعولن مفاعلين. . .) ليس له من الحلاوة والرونق ما لقولك:
تَضَوَّعَ مِسكاَ بَطْنُ نَعْمانَ إذ مشتْ ... به زَيْنَبٌ في نِسْوةٍ خَفِراتِ
وذلك لخلوه من المعنى المفهوم؟ وهذا مما لا يحتاج فيه إلى زيادة في القول، لبيانه ووضوحه. ومن المعلوم أن جماعة العقلاء من الخاصة والعامة يعرفون المعاني، ويصيبون فيها، إلا أنهم لا يقدرون على إبرازها في لباس أنيق مناسب لها، لعدم الطبع المجيب إلى ذلك. ألا ترى إنه حكي عن المبرد، وهو من أكبر علماء العربية وأفخمهم شأناً، وصاحب قول ومذهب، إنه قال: لا أحتاج إلى وصف نفسي لعلم الناس بي، إنه ليس أحد يختلج في قلبه مسألة مشكلة إلا لقيني بها، وأعدني لها؛ فأنا عالم ومتعلم، وحافظ ودارس، لا يخفي علي مشتبه من الشعر والنحو، والكلام المنثور، من الخطب والرسائل، ولربما احتجت إلى اعتذار من قلة إلى بعض الأصدقاء، أو التماس لحاجة، فاجعل المعنى الذي أقصده نصب عيني، ثم لا أجد سبيلاً إلى التعبير عنه بما أرتضيه. ولقد بلغني أن عبيد الله بن سليمان ذكرني بجميل، فحاولت أن