شأنهم وعادتهم، أن يعدلوا في كلامهم عن الأثقل إلى الأخف؛ طلباً للاستحسان، وهذا شائع عنهم، وكثير في لغتهم، لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه. وتراهم قد خالفوا عادتهم وعدلوا عن الأخف إلى الأثقل، طلباً لبعد المخارج؛ حيث هو أسهل على اللسان، وهرباً من تقاربها؛ حيث هو أشق وأصعب على اللسان. وذلك نحو (الحيوان) ألا ترى أن أصل هذه الكلمة، بإجماع من علماء العربية:(حييان) لأنها من مضاعف الياء، إلا إنه لما ثقل عليهم عدلوا به عم الياء إلى الواو، مع علمهم بأن الواو أثقل من الياء، لكنه لما تباعد الحرفان ساغ ذلك؛ لأجل الاستخفاف. فلما رأينا أن العرب الذين هم الأصل في هذه اللغة قد نقضوا عادتهم، ورفضوا سنتهم، في العدول عن الأثقل إلى الأخف؛ طلباً لتباعد مخارج الحروف، علمنا أن ذلك أهم عندهم، وأكثر تقدماً في نفوسهم. وكفى بهذا دليلاً على أن تباعد المخارج أحسن تأليفاً من تقاربها، فاعرف ذلك.
واعلم أن تباعد المخارج ليس بكاف في حسن اللفظة، ولا مقنع في جودتها؛ فإنه قد تأتي لفظة مؤلفة من حروف متباعدة المخارج، ولكنها تكون مبنية من حركات ثقيلة، أو تكون وحشية، أو غير ذلك من الصفات الذميمة، فيعارض ذلك الوصف المحمود هذا الوصف المذموم فيذيله ويذهب به.
النوع الثاني من القسم الأول من الباب الأول
وهو أن لا تكون الكلمة وحشية ولا متوعرة
ونعني بالوحشي: قلة الاستعمال؛ وذلك عيب في الكلام فاحش؛ فيجب على المؤلف اجتنابه والبعد عنه، لأن أحسن الألفاظ ما كان مألوفاً بين أرباب هذه الصناعة، دائراً في تأليفاتهم، قد