اعلم أن اللفظة قبل دخولها في سبل التأليف، وقبل أن تصير إلى الصورة التي تسمى كلاماً، دالاً على معنى من المعاني، لا يكون لها مزية على أختها، التي في معناها، إلا بأن تكون هذه أشرف من هذه بعلامات توجد فيها. إما أن تكون إحداهما مستعملة مألوفة، والأخرى وحشية متوعرة، وإما أن تكون حروف هذه أخف حركة أو أحسن امتزاجاً مع صواحيها أو غير ذلك مما قدمنا ذكره. ولا يتصور بين اللفظتين تفاضل في الدلالة على المعنى الذي اشتراكا فيه، حتى تكون إحداهما أحسن في الدلالة على ذلك المعنى من الأخرى؛ ولنضرب لهذا مثالا فنقول: لا يخفى على من له ذوق صحيح، وفطرة سليمة، أن لفظة الليث أو الأسد أحسن دلالة (على) مسماها من لفظة (الفدوكس) أو (العميثل) فثبت بهذا الدليل أن الكلمة لا يكون لها مزية على أختها إلا بعلامات توجد فيها دون تلك، وهذا لا يثبته على اعتماد وقصده في الكلام إلا الفطن اللبيب، الذي له عناية بصناعته. وكثيراً ما رأينا من يحكم على الألفاظ بالجودة والرداءة، وإذا طولب بدليل يثبت له ما ادعاه لا يحير جواباً، الا تحكما محضاً، لا حاصل وراءه. ولا يعلم إنه لا يجوز القائل أن يقول: هذا الكلام جيد أو رديء، إلا بعد أن يعتبر كل لفظة منه على انفرادها، ويعرض عليها تلك الصفات التي ذكرناها أولاً في كتابنا