هذا، فإذا رآها موجودة فيها أو بعضها، علم أنها حقيقة بأن تدخل في سبك التأليف. ثم يعود بعد ذلك ويعتبر مكانها من النظم، وكيف ممازجتها لجاراتها والتئامها مع أخواتها، فإذا وجدها شديدة المناسبة لها، حسنة الامتزاج معها، حكم على ذلك اللفظ بالجودة، وشهد له بالرونق والطلاوة، وإن كان الأمر بخلاف ذلك (حكم) عليه بالرداءة والقبح، على حسب ما استحق. والأصل في هذا كله حسن التأليف،
وجودة التركيب، فإن حسن التأليف يزيد المعنى نباهة ويميل النفوس إلى استماعه، والإصغاء إليه، فإنه إذا كان المعنى سيئاً، وكان اللفظ جيداً مختاراً، ويكون التركيب مع ذلك رديئاً لم يوجد له يظهر عليه رونق. وإذا كان المعنى واللفظ وسطين، وكان تركيبها جيداً حسناً كان ذلك معلياً من قدرهما، ورافعاً من شأنهما. فمثال ذلك كالعقد المتوسط. ألا ترى إنه إذا أحسن تنضيده فجعلت كل قطعة مع يشاكلها، ويليق بها، كان رائقاً في المنظر وإن لم يكن مرتفعاً ثميناً. ومثال المعنى واللفظ الرائقين مع التركيب الرديء مثال عقد ثمين، أفسد نظمه، فجعلت كل قطعة منه مع ما ينافيها ولا يناسبها، فإنه يصير بذلك مختلاً في المنظر، وإن كان فائقاً ثميناً.
وحسن التأليف: هو أن توضع الألفاظ في مواضعها وتجعل في أما كنها. وسوء التأليف بخلاف ذلك. ألا ترى إنه إذا قدم في التأليف ما يجب تأخيره، وأخر ما يجب تقديمه تصير المعاني نافرة عن مواضعها، محولة عن وجوهها؟ ومثال ذلك كالصورة التي تحول بعض أعضائها إلى موضع بعض، فتحول الرأس إلى موضع اليد أو الرجل أو غير ذلك، فإنه إذا فعل هذا قبحت الصورة، وفسدت هيئتها الجميلة الحسنة. فاعرف ذلك، فإنه لم يقل:(لفظة متمكنة مرضية) وفي خلافها (قلقلة مستكرهة) إلا والغرض بالتمكن حسن الاتفاق بين الألفاظ بعضها مع بعض، وبالقلق سوء الملاءمة وأنها لم توافق صواحبها. وهل تشك أيها