فانظر أيها المتأمل إلى هذه المحذوفات، التي كأنها لم تحذف من الكلام لظهور معناها وبيانه، ودلالة الحال عليه. وعلى نحو من ذلك ينبغي أن تكون الحذوف فاعرفها.
الضرب الخامس من القسم الأول من النوع الرابع
وهو حذف المضاف والمضاف إليه وإقامة كل منهما مقام الآخر
وذلك باب طويل عريض سائغ. في كلام العرب. وإن كان أبو الحسن الأخفش لا يرى القياس عليه، فأما حذف المضاف فكقوله تعالى:(حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب. . .)(فحذف المضاف إلى يأجوج ومأجوج) وهو
سدهما، كما حذف المضاف إلى القرية في قوله تعالى:(واسأل القرية) أي أهل القرية. ومن هذا الضرب قوله تعالى:(ولكن البر من اتقى) أي بر من اتقى، وإن شئت كان تقديره (ولكن ذا البر من اتقى) والأول أجود، لأن حذف المضاف ضرب من الانساع، والخبر أولى بذلك من المبتدأ، لأن الانساع بحذف الإعجاز أولى منه بحذف الصدور. وقد حذف المضاف مكرراً نحو قوله تعالى:(فقبضت قبضة من أثر الرسول) أي من أثر حافر فرس الرسول. وهذا الضرب أكثر اتساعاً من غيره. وأما حذف المضاف إليه (فإنه قليل الاستعمال؛ فما جاء منه قوله تعالى): (لله الأمر من قبل ومن بعد) أي من قبل ذلك ومن بعده.