هذا المطلع علم أنه يتضمن البشرى بادالة المسلمين على المشركين من غير أن يحتاج إلى وقوف على حديث الوقعة. ومن ذلك قوله بعض الكتاب في زمن المأمون وقد نتجت ناقة شخص آدمي، فأمر أن يكتب بذلك إلى البلاد فقال (الحمد لله خالق الأنام في بطون الأنعام)، فعير عن المراد في أول كلامه. وأمثال ذلك كثيرة فاعرفها.
النوع الخامس عشر من الباب الأول من الفن الثاني
في قوة اللفظ لقوة المعنى
وهو نوع من علم البيان شريف المحل، لطيف المأخذ، وإنما يعمد إليه لضرب من المبالغة. أعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل إلى وزن آخر اكثر منه فلا بد وأن يتضمن من المعنى أكثر مما كان يتضمنه أولاً، والدليل على ذلك أن الألفاظ هي أدلة على المعاني وأمثلة للإبانة عنها، فإذا زيد في الألفاظ أوجبت القسمة زيادة المعاني بقدر ما زيد في الألفاظ. وهذا لا نزاع فيه، لبيانه ووضوحه. فمن ذلك (خشن) و (اخشوشن) فمعنى (خشن) دون معنى (اخشوشن) لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ونحو (فعل) و (افعوعل) وكذلك قولهم (أعشب المكان) فإذا أرادوا كثرة العشب قالوا (اعشوشب) ومثله (فَعل) و (افتعل) نحو (قدر) و (اقتدر) فاقتدر أقوى معنى من قولهم (قَدر) قال الله - تعالى - (أخذ
غزير مقتدر) فمقتدر هنا أبلغ من (قادر) من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ الذي لا يصدر إلا عن وفور الغضب، وكثرة السخط، ومما ينتظم في هذه الأوزان من أسماء الفاعلين، فإن بعضها أبلغ من بعض، نحو (فاعل) و (فعيل) وما جرى مجراها.
ولقد سألني بعض الأخوان عن (فاعل) و (فعيل) وأيهما أبلغ؟ فقلت في الجواب