متابعة السيرة وفي هذا عناء وشدة للسائق والمسوق. والقَسْوة: شدة القلب وغلظه. والقَوْسُ: معروف، وفيه نوع من الشدة والقوة لنزعه السهم وإخراجه إلى ذلك المرمى المتباعد.
واعلم أنا لا نَدعَّي أن هذا يطرد في جميع اللغة بل قد جاء شيء منها كذلك، وهذا مما يدل على شرفها وحكمتها، لأن الكلمة الواحدة تتقلب على ضروب من التقاليب، وهي مع ذلك دالة على معنى واحد. وهذا من أعيب الأسرار التي توجد في لغة العرب وأغربها، فاعرفه.
النوع الثامن عشر من الباب الأول من الفن الثاني
في الحروف العاطفة والجارة
وهو نوع ينبغي لمؤلف الكلام مراعاته والعناية به، لأن معانيه ودقائقه، لا يتنبه لها إلا الفطن اللبيب، وما رأيت أحداً من علماء هذه الصناعة تعرض له ولا ذكره ولا أقول إنهم لم يعرفوا ذلك أصلاً، لأن هذا النوع من الكلام أشهر من أن يخفى؛ لأنه مذكور في كتب العربية جميعها، ولست أعني بإيرادها هنا ما يذكره النحويون من أن الحروف العاطفة تتبع المعطوفَ (المعطوفَ) عليه في الإعراب، ولا أنَّ الحروف الجارة تجر ما تدخل عليه بل أمراً وراء ذلك، وإن كان المرجع فيه الأصل الذي ذكره علماء العربية في كتبهم فأقول:
إن أكثر الناس يجعلون ما ينبغي أن يعْطَف بالواو معطوفاً بالفاء، وما ينبغي أن يعْطَف بالفاء معطوفاً بثم، وكذلك يجعلون ما ينبغي أن يكون (بعلى)(بقي) في حروف الجر. وفي هذه الأشياء دقائق، أذكرها لك أيها المتأمل، لتعلم السر فيها. فأما حرف العطف فنحو قوله تعالى (قَتِلَ الإنسان ما أكفَرَهُ مِنْ أي شيء حَلَقه، من نطفة خلقه فقدَّرَهُ، ثم السَّبيْلَ يسّرهُ، ثم أماتهُ فأقْبَرهُ، ثم إذا شاءَ أنشرَهُ) ألا ترى انه لما قال (من نطفة خلقه) كيف قال (فقدَّره) ولم يقل (ثم قدّره) لأن التقدير لما كان تابعاً للخلقة، وملازماً لها، عطفه عليها بالفاء، وذلك بخلاف قوله (ثم السبيل يسّره، لأن بين خلقته