للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما أذكره هاهنا هو إن كانت العرب قد قالت إن (فاعِلا) أبلغ من (فَعيل) أو إن (فعيلا) أبلغ من (فاعل) بغير علة أوجبت ذلك ولا سبب اقتضى تمييز أحدهما عن الآخر، إلا تحكما محضا، فذلك مُسَلَّم اليهم، لأنه لغة القوم وكلامهم، وهم المتحكمون فيه، وإن كانت العرب لم تميز (فاعِلا) على (فَعِيل) ولا (فَعِيلاً) على (فاعِل) ولا قالت إن أحدهما أبلغ من الآخر فلنا أن نبحث عن ذلك، فإن وجدنا لأحدهما مزية على الآخر ذكرناها، وإن لم نجد كان لذلك أسوة بباقي لغتهم، التي لا تعرف لها علة، وإنما بأخذ عنهم بالنقل والتقليد، ولما سألت، أيها الأخ، عن الفرق بين (فاعل) و (فعيل) وأيهما أبلغ؟ أنعمت النظر في ذلك مستعيناً بالله، فسنح الفرق بينهما بما أذكره، والله الموفق، فأقول: أما الحكم على أن أحدهما أبلغ من الآخر فهو أن (فاعلا) أبلغ من (فعيل). وأما علة الحكم فمن وجهين:

الأول: أن (فاعلاً) لم يرد في كلام العرب إلا اسماً للفاعل فقط نحو (ضارب) اسم فاعل من (ضرب) و (قاتل) اسم فاعل من قتل، وهذا مطرد في بابه لم يأت غيره وأما (فعيل) فانه يكون اسماً للفاعل وبمعنى (المفعول) فأما كونه اسماً للفاعل فنحو (ظريف) اسم فاعل من (ظرف) و (كريم) اسم فاعل من (كرم) وكذلك ما جرى هذا المجرى. وأما كونه بمعنى (المفعول) فهو نحو (قتيل وجريح) اللذين هما بمعنى المقتول والمجروح. فلما كان (فاعل) مختصاً باسم الفاعل لا يشاركه فيه غيره، وفعيل يشترك فيه اسم الفاعل والمفعول كان ما هو

مختص بالفاعل وحده أبلغ مما يشترك فيه الفاعل والمفعول، وذلك لقوة الفاعل على المفعول وضعف المفعول عن الفاعل، وما يختص بأمر قوي أبلغ مما يتردد بين أمرين قوي وضعيف. فإن قيل إن (فاعلاً) قد جاء بمعنى المفعول كما جاء (فعيل) بمعنى المفعول في قوله تعالى (ماء دافق) أي مدفوق قلنا: أما قولك إن (فاعلاً) قد جاء بمعنى المفعول واستدلالك عليه بالآية فإنه ضعيف شاذ، لأن ذلك لم ينقل جوازه عن العرب ولم يذهب إليه أحد من العلماء، غير أن بعض المفسرين قد ذكره وزيف قوله الجمهور، وأجمعوا على مخالفته

<<  <   >  >>