وقالوا إن معنى قوله تعالى (ماء دافق) أي مندفق وذلك أيضاً اسم (فاعل) من (أنْفَعَل) نحو (أنْطَلَقَ فهو منطلق) و (انعكف فهو منعكف) وما جرى هذا المجرى، ثم لو نقل جواز هذا عن العرب وصح عنهم لما كان ناقضاً لدعوانا نحن في (فَعيِل) وأنه يجيء بمعنى (المفعول) شائعاً كثيراً في كلامهم ويصح عليه القياس. وما ذكرته أيها المعترض شاذ قليل لا يعتد به ولا يقاس عليه، لأنه لم يأت منه إلا لفظة واحدة أو لفظتان أو لفظات كماء دافق وعيشة راضية) والشائع الكثير في كلام العرب وغيره أرجح جانباً من الشاذ القليل، وما يقاس عليه أبلغ مما ليس بمقيس (عليه). وأما الوجه الثاني في إثبات أن (فاعلاً) أبلغ من (فعيل) فهو أن فاعلاً يكون اسماً للفاعل معتدياً كان أو قاصراً فهو إذا يعمها جميعاً نحو (غالب وجالس)، وأما (فعيل) فإنه لا يكون اسماً إلا لفاعل فعله قاصر غير متعد نحو (شريف ونبيه وغليظ) وهو مطرد في هذا الباب لم يأت في كلام العرب غيره، فلما كان (فاعل) اسماً للفاعل المتعدي فعله والقاصر معاً، و (فعيل) اسماً للفاعل القاصر فعله فقط كان (فاعل) أبلغ من (فعيل) المتعدي فعل إلى مفعوله، وقصور فعل (فعيل) عن معموله فإن قيل إن (فعيلاً) جاء اسماً للفاعل المتعدي فعله على غير وزن (فَعُل) نحو (خطبَ فهو خطيب) و (علم فهو عليم) وهذا يدل على أن
(فعيلاً) مساو (لفاعل) في التعدي لأن (فاعلا) قد جاء اسماً للفاعل متعدياً كان فعله أو قاصراً، وكذلك قد جاء (فعيل) أيضاً كما رأينا.
قلنا هذا الذي أشرت إليه من أن فعيلاً قد جاء اسماً للفاعل المتعدي فعله على غير وزن (فُعل) نحو (خطب فهو خطيب وعلم فهو عليم) مسلم إليك إلا أن ذلك لا يكون ناقضاً لما ذكرناه ولا اعتراضاً