للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموضوع لما دلَّ من الحال على موضعها، وذلك إنه يحسن في كلام القائل لذلك من التصريح والتلويح والتفخيم والتعظيم بما يقوم مقام قوله: (طويلٌ) أو نحو ذلك. وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته؛ وهو أن يكون في

مدح إنسان والثناء عليه (فتقول: (كان) والله رجلاً) فتزيد في قوة اللفظ بالله في هذه الجملة وتمكن في مط اللام وإطالة الصوت بها؛ أي رجلاً فاضلاً، أو شجاعاً، أو كريماً، أو جرى هذا المجرى من الصفات، وكذلك تقول: (سألناه فوجدناه (إنساناً أي) إنساناً سمحاً أو جواداً أو ما أشبه). وتمكن الصوت (بإنسان) وتفخمه، وتستغني عن وصفه بقولك: (إنساناً سمحاً أو جواداً أو ما أشبه) فعلى هذا أو نحوه تحذف الصفة، فأما إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ والحال فإن حذفها لا يجوز. ألا تراك لو قلت: (وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل، أو (رأينا إنساناً) ثم سكت لم يفد ذلك شيئاً؛ لأن هذا ونحوه مما لا يخلو ذلك المكان منه، وإنما المقصود أن تصف من ذكرت وما ذكرت، فإن لم تفعل فقد كلفت علم ما لم تدلل عليه، وهذا لغو من الحديث وجور في التكليف.

ومن حذف الصفة ما روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) أي لا صلاة كاملة أو فاضلة أو نحو ذلك. فأعرف ما أشرنا إليه وتدبره فإنه ضرب من الكلام رقيق وغور من العربية سحيق.

<<  <   >  >>