للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لوجب أن يكون (فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم) وفائدة هذا الاعتراض بين القسم وجوابه إنما هو تعظيم لشأن المقسم به، في نفس السابع، ألا ترى قوله تعالى (لو تعلمون) اعتراضاً بين الموصوف والصفة، وذلك أوقع في الأنفس، لتعظيم المقسم به، أي

إنه من عظيم الشأن وفخامة الأمر بحيث لو علم ذلك لو في حقه من التعظيم. وهذا مثل قولنا (إن هذا الأمر لعظيم، بحيث لو تعلم يا فلان عظمه، لقدرته حق قدره). فإن ذلك يكبر في نفس المخاطب، ويعظم موقعه عنده، ويبقى متطلعاً إلى معرفة عظمه، ويترامى به وهمه إلى أعلى المنازل وأسبق الرتب. ومن هذا النحو قوله تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن. وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير) ألا ترى إلى هذا الاعتراض الذي طبق مفصل البلاغة، فإنه لم يؤت به إلا لفائدة كبيرة، وذلك إنه لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم من المشاق والمتاعب، في حمل الولد وفضاله، إيجاباً للتوصية بالوالدة وتذكيراً بحقها، وإنما خصها بالذكر دون الوالد، لأنها تتكلف من أمر الولد ما لا يتكلفه الوالد، ومن ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له (من أبر): أمك ثم أمك. ثم قال بعد ذلك (أباك). ومما جاء على هذا الأسلوب قوله تعالى (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) فقوله تعالى (والله مخرج ما كنتم تكتمون) اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، وفائدته إنه يقرر في أنفس المخاطبين وقلوب السامعين أن تدارؤ بني إسرائيل في قتل تلك النفس لم يكن نافعاً لهم في إخفائه وكتمانه، لأن الله مظهر لذلك ومخرج له، ولو جاء الكلام خالياً من هذا الاعتراض لكان (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها فقلنا اضربوه ببعضها) ولا يخفى على العارف بهذه الصناعة الفرق بين ذلك وبين كونه معترضاً فيه،

<<  <   >  >>