للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلام، فنقول:

اعلم أنه متى كان الشيئان أحدهما كثير والآخر أقل منه، وكان الأقل أفضل من الأكثر فأنت بالخيار في تقديم أيهما شئت، لأن في كل واحد منهما ما يوجب له التقدم، فاعرف ذلك وقس عليه نظائره وأمثاله.

ومن هذا النحو قوله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع، يخلق الله يشاء إن الله على كل شيء قدير).

فإنه إنما قدم الماشي على بطنه لأنه أدل على القدرة من الماشي على رجلين؛ إذ هو ماش بغير الآلة المخلوقة للمشي، ثم ذكر الماشي على رجلين بعده، وقدمه على الماشي على أربع؛ لأنه أدل على القدرة أيضاً حيث كثرت آلات المشي في الأربع، وهذا من باب تقديم الأعجب فالأعجب فاعرف، ذلك.

ومن هذا النوع في التقديم والتأخير أنه إذا كان مطلع الكلام في معنى من المعاني ثم يجيء بعده ذكر شيئين أحدهما أفضل من الآخر، وكان معنى المفضول مناسباً لمطلع الكلام فأنت بالخيار في تقديم أيهما شئت؛ لأنك إذا قدمت الأفضل فهو في موضع التقديم، وإن قدمت المفضول فلأن مطلع الكلام يناسبه، وذكر الشيء مع ما يناسبه أيضاً وارد في موضعه فمن هذا الأسلوب قوله تعال: (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) إلى قوله: (عليم قدير) فأنه إنما قدم الإناث أولاً على الذكور، مع تقدمهم عليهن، ثم رجع فقدم الذكور وأخر الإناث بعد ما نكرهن وعرف الذكور؛ لأنه ذكر البلاء

في آخر الآية، وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده، ثم عقب ذلك بذكر ملكه ومشيئه، وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث؛

<<  <   >  >>