جماعة من الأئمة المشهورين في هذه الصناعة قد جعلوه بمنزلة التطويل الذي هو ضد الإيجاز. وهذا غلط فاحش.
فمن جملة الأئمة الذين ذكروا ذلك، أبو هلال العسكري صاحب كتاب الصناعتين. فإنه قال في كتابه:(الإطناب في الكلام إنما هو بيان، والبيان لا يكون إلا للإشباع، وأفضل الكلام أبينه، والإيجاز للخواص، والإطناب يشترك فيه الخواص والعوام، والأمر ما أطنب في الكتب السلطانية في إفهام الرعايا. وكما أن الإيجاز له موضع، فكذلك الإطناب له موضع، والحاجة إلى الإيجاز في موضعه، كالحاجة إلى الإطناب في موضعه).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم). ومن استعمل الإيجاز في موضع الإطناب أو الإطناب في موضع الإيجاز فقد أخطأ.
ولا شك أن الكتب الصادرة عن السلطان في الأمور العظيمة في الفتوح والتفخيم (في) مواقع النعم المتجددة، أو في الترغيب في الطاعة، والتحذير من العصيان، وغير ذلك ينبغي أن تكون مشبعة مستقصاة)، ألا ترى أن كتاب المهلب إلى الحجاج في فتح الأزارقة:(الحمد لله الذي كفى الإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلاً بنعمته، وقضى أن لا ينقطع المزيد من فضله، حتى ينقطع الشكر من خلقه. ثم إنا وعدونا على حالين مختلفتين، نرى فيهم ما يسرنا أكثر مما يسوؤنا ويرون فينا ما يسوؤهم اكثر مما يسرهم. فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم: ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحصنا ويمحقهم حتى بلغ الكتاب بنا وبهم أجله فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين).