ومن هذا الباب قوله تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) وكذلك قوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله). فلما قدم الليل في الذكر على النهار قدر سبب الليل، وهو السكون على سبب النهار، وهو التعيش، وذلك في غاية الحسن. ومن هذا النحو قول بعضهم:
يوم الُمتيَّم فيكِ حوَلٌ كاملٌ ... يتعاقبُ الفَصلانِ فيه إذا أنى
ما بين حَرّ جوىً مدامعٍ ... إن حَنّ صاف وإن بكى وجداً شتا
وهذا من أصح التفسير فاعرفه، ومن ذلك قول الآخر وهو غاية في بابه:
شَكَوتُ فقالت كلُّ هذا تبرُّمٌ ... بحُبًي أراح الله قلبَكَ من حبُيّ
فلما كتمتُ الحب قالت اَشدَّ ما ... صَبَرتَ وما هذا بفعلِ شجى القلب
وأدنو فتقصيني فأبعُدُ طالباً ... رضاها فتَعْتدُّ التباعد من ذنبي
فشكوايَ تؤذيها وصبري يسوؤها ... وتجزَعُ من بُعْدي وتَنْفِرُ من قُربي
فيا قومُ هلَ من حِيْلةٍ تعرفونها ... أعينوا بها واستوِ جبوا الأجرَ من ربي
فما يرك هذا الشاعر شيئاً من المعاني التي ذكرها أولا فيما يلاقيه من الحب والبلوى إلا فسرها على هذا الترتيب، فاعرف ذلك.