لقد خنتَ قمواً لو لَجاْت إليهمُ ... طريدَ دم أو حاملا ثقلَ مغرمَ
لألفيتَ منهم معُطياً أو مُطاعنا ... وراك شزراً بالوشيج المقَّوم
لأنه أصاب في التفسير وأخطأ في الترتيب، وذلك أنه أتى بتفسير ما هو أول في البيت الأول، ثانياً في البيت الثاني، وهو قوله:(طريد دم) فقال: (أو مطاعنا)، وكذلك أتى بتفسير ما هو ثان في البيت الأول أولاً في البيت الثاني، وهو قوله:(حاملاً ثقل مغرم) فقال: (لألفيت منهم معطيا) والأولى أن كان أتي بتفسير ذلك مرتباً؛ ففسر ما هو أول في البيت الأول بما هو ثان في البيت الثاني، وما هو ثان في البيت الأول بما هو ثان في البيت الثاني؛ وذلك لو سلم له الوزن. إلا أن هذا لا كبير عيب فيه. وإنما الأحسن ما أشرنا إليه.
واعلم أن الناظم إذ أتى بمثل ما أتى به الفرزدق لا ينكر عليه ذلك، كما ينكر على الناثر، وذلك أن الناظم يضطره الوزن والقافية إلى اعتماد غير الواجب في تأليفه، وترك الأولى في صناعته، كما اضطر الوزن والقافية الفرزدق، فإنه لو أراد أن يأتي بمقتضى الصنعة لقال:
لقد خنتَ قوماً لو لجأت إليهم ... طريدَ دم أو حاملاً ثقل مغرم
(لألفيتَ منهم طاعناً بالوشيج المقوم أو معطيا)
وهذا ما يفسد به الوزن والقافية. وأما الناثر فانه لا يضطر إلى مثل ذلك لتصرفه كيف شاء، ولهذا كان الناثر مؤاخذاً بأداء هذه الصناعة أكثر مما يؤاخذ الشاعر، فاعرف ذلك.
ومما أخذ على الفرزدق قوله أيضاً:
كيف أسلو وأنتِ حِقفُ وغُصْنٌ ... وغزالٌ لحظاً ورِدْفاً وقداً
والأصل في هذا أن قال:(ردفاً وقداً ولحظاً) وأمثال هذا كثيرة، فاعرفها.
وأما فساد التفسير في هذا الباب فهو أن يأتي المؤلف بكلام يفسره تفسيراً لا يناسبه، وذلك عيب لا يسامح فيه بحال من الأحوال كقول بعضهم: