للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا وأمثاله قليل جداً فاعرفه. وإياك، أيها المؤلف، أن تستعمله في كلامك وإن كان كان جائزاً. وقد ورد في أشعار العرب مثله.

وأما القسم الثاني من النوع الرابع فهو الإيجاز من حذف؛ وذلك ضربان: الأول ما يساوي لفظه معناه ويسمى التقدير؛ فمما جاء منه قوله تعالى: (قتل الإنسان ما أكفره، من أي شيء خلقه. . .) إلى (يقض ما أمره). فقوله: (قتل الإنسان) دعاء عليه. وقوله: (ما أكفره) تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله - عز وجل -. ولا ترى أسلوباً أغلظ من هذا الدعاء والتعجب، ولا أحسن متناولا، ولا أدل على سخط مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للائمة على قصر متنه. ثم إنه أخذ في صفة حاله من ابتداء حدوثه إلى منتهى زمانه، فقال تعالى: (من أي شيء خلقه، من نطفة خلقه فقدره). إي هيأه لما يصلح له (ثم السبيل يسره) أي سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه، والسبيل الذي يختار سلوكه من طريقي الخير والشر. والأول أولى، لأنه تال لخلقته وتقديره. ثم بعد تيسيره سبيله لما يختار من طريقي الخير والشر. (ثم أماته فأقبره) أي جعله ذا قبر يواري فيه. (ثم إذا شاء أنشره)

أي أحياه. (كلا): ردع للإنسان عما هو عليه (لما يقض ما أمره) أي لم يقض، مع تطاول زمانه، ما أمره الله - عز وجل - يعني أن إنسانا لم يخل من تقصير قط.

ألا ترى إلى هذا الكلام الذي لو أردت أن تحذف جزءاً من أجزائه لما قدرت على ذلك؟ لأنك كنت تذهب بجزء من معناه، ويختل عليك نظمه؛ فإن أسقطت الجملة الأولى التي هي صدر الكلام زال معنى الدعاء عليه، وإن أسقطت الجملة الثانية، زال معنى التعجب من كفران نعمة ربه. وإن أسقطت الحملة الاستفهامية، أو غيرها زال ما تضمنته من المعاني التي لولاها لما كان، فاعرف ذلك.

ومن هذا الضرب قول علي بن جبلة:

<<  <   >  >>