للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسمى الظبي (تولباً) والتولبُ: ولد الحمار. هذا ما ذكره قدامة، وهو خطأ؛ لأنه لو كان ما ذهب إليه صحيحاً، لكان أصل المعاظلة، في وضع اللغة دخول الشيء فيما ليس من جنسه. وليس أصلها في وضع اللغة كذلك، بل هو التداخل والتراكيبُ.

وهذا المثال الذي مثل به قدامة لا تداخل في معانيه ولا تراكب، وإنما هو استعارة فاحشة فقط، فوجب حينئذ أن لا تسمى معاظلة) لأن حقيقة المعاظلة ليست موجودة فيه.

وأما جماعة الأصحاب من علماء البيان، فانهم خالفوا قدامة فيما ذهب إليه، والحق في أيديهم، لاتباعهم في ذلك حقيقة هذا الاسم، الذي وضع له في أصل اللغة.

وقد مثله الغانمي بقول الفرزدق:

وما مِثْلُهُ في الناس إلا مملَّكاً ... أبوّ أمَّهِ حيٌ أبوه يقاربه

وهذا مثال حسن لوقوعه على ما مثل به، ألا ترى إلى تداخل معاني هذا البيت بتقديم ما كان يجب تأخيره، وتأخير ما كان يجب تقديمه؟ لأن الأصل في معنى هذا البيت. (وما مثله في الناس حي يقاربه، إلا مملكاً، أبو أمه أبوه).

واعلم أم هذا الذي أشرنا إليه من المعاضلة بابه التقديم والتأخير، وقد سبق ذكره في كتابنا هذا. إلا أن المعاظلة، قد جعل لها أهل هذه الصناعة؛ باباً مفرداً في كتبهم، فلم نر مخالفتهم في هذا القدر، لكنا بينا حقيقتها في بابها وأشرنا إليها بأوضح إشارة وألحظها ليعرف موضعها من التأليف.

<<  <   >  >>