كتاب الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور

الباب الأول في الصناعة المعنوية - النوع السابع والعشرون من الباب الأول من الفن الثاني في الأرصاد - ص: 241

هذا الكلام الغانمي بعينه، والبابان المذكوران سواء، لا فرق بينهما بحال من الأحوال، والدليل على ذلك أن بيت امرئ القيس يتم معناه قبل الإتيان بقافيته. وكذلك بيت ذي الرمة. ألا ترى أن امرأ القيس لما قال:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع. . . . . .)

أتى بالتشبيه قبل القافية؟ ولما احتاج إليها جاء بزيادة حسنة وهو قوله: (لم

يثقب)؟! وهكذا ذو الرمة فإنه لما قال: -

قف العيس في أطلال مية فاسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء. . .

أتى بالتشبيه أيضاً قبل الإتيان بالقافية. ولما احتاج إليها أتى بزيادة حسنة؛ وهو قوله: (المسلسل).

واعلم أن أبا هلال العسكري قد سمى هذين القسمين بعينهما (الإيغال).

وقال: هو أن يستوفي (الشاعر) معنى الكلام قبل البلوغ إلى مقطعه ثم يأتي بالمقطع فيزيد فيه معنى آخر.

وأصل (الإيغال) من (أوغل في الأمر، إذا أبعد في الذهاب فيه).

ثم مثل أبو هلال ذلك بقول ذي الرمة:

(قف العيس. . . . . .)

وهذا أقرب أمراً من الغانمي، لأنه ذكره في باب واحد، وسماه باسم واحد: ولم يذكره في باب آخر، كما فعل الغانمي - رحمة الله - وليس الأخذ على الغانمي في ذلك مناقشة على الأسماء وإنما المناقشة له على ينتصب لا يراد علم البيان، وتفصيل أبوابه. ويكون أحد الأبواب التي ذكرها داخلاً في الآخر، فيذهب عليه ذلك، ويخفى عنه، وهو أشهر من فلق الصبح.