بعض الألفاظ تروقك في كلام ما، وتزداد بها إعجاباً واستحساناً، ثم تراها في كلام آخر فتثقل عليك وتستكرهها؛ مثال ذلك: أن لفظة (الأخداع) قد وردت في بيتين من الشعر، وهي في أحدهما لائقة حسنة، وفي الآخر ثقيلة مستكرهة، كقول الصمة بن عبد الله:
تلفتّ نحو الحيَّ حتى كأنني ... وَجِعت من الإصغاء (ليتا) وأخدعا
وكقول أبي تمام:
يا دهر قومّ من أخدعيك فقد ... أضججت هذا الأنام من خرقك
ألا ترى أنه قد وجد لهذه اللفظة في بيت أبي تمام من الثقل على النفس والكراهة أضعاف ما وجدلها في بيت الصمة بن عبد الله من الروح والخفة والإيناس والبهجة!؟ وهذا ما لا يمكن النزاع فيه لظهوره، وليس سبب ذلك إلا ما أشرنا إليه من اختلاف الصيغة؛ ألا ترى أن لفظة (الأخداع) قد جاءت هاهنا موحدة ومثناة، وهي حسنة في حالة الانفراد، مستكرهة في حالة التثنية.
وقد يكون ذلك لأمر يرجع إلى التركيب إلى الألفاظ، وذلك أن يكون التركيب مختل النظام، مضطرب الترتيب فتجيء ألفاظه عند ذلك مستكرهة، مستثقلة، لكونها واردة في غير أماكنها، وإن كانت من حيث انفرادها حسنة لائقة. وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تركيب الألفاظ، فاعرفه.