فسمي النكاح هبة. فهذه ضروب المجاز التي وقعت. فاعرفها.
وأما الفرق بينه وبين الحقيقة، فهو أن الحقيقة جارية على العموم في نظائره، ألا ترى أنا إذا قلنا (فلان عالم) علماً صدق على كل ذي علم واحد صدق على كل ذي علم، بخلاف (واسئل القرية) لأنه لا يصح إلا في بعض الجمادات دون بعض، لأن المراد أهل القرية، لأنهم ممن يصح السؤال لهم، ولا يجوز أن يقال
(واسأل الحجر أو التراب). وقد يحسن أن يقال (واسأل الربع أو الطلل).
واعلم أن كل مجاز فله حقيقة، وليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز؛ وذلك أن من الأسماء قسمين لا مجاز فيهما:
(الأول) أسماء الأعلام، كأنها وضعت للفرق بين الذوات لا للفرق بين الصفات.
(الثاني) الأسماء التي لا أعم منها، كالعلوم والمجهول والمدلول، وغير ذلك، مما أشبهه.
واعلم إنه قد صار المجاز في تعارف الناس بمنزلة الحقيقة، بل هو أقرب إلى التعريف من الحقيقة، وأولى بالاستعمال منها، وأحق بالافهام؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكانت الحقيقة، التي هي الأصل، أولى منه حيث هو فرع عليها. ألا ترى أن قوله تعالى (والصبح إذا تنفس) أبلغ من أن يقال (إذا انتشر) لأن التنفس يعطي من الدلالة ما لا يعطيه الانتشار؛ وذلك لما فيه من بيان الروح على النفس، عند إضاءة الصبح، فجعل ظهور الصبح وانتشاره من خلال الليل، شيئاً فشيئاً، كالتنفس؛ لأن أول ما يبدو الصباح ثم ينمي في انتشاره بالتدرج، كإخراج الإنسان نفسه.
واعلم إنه إنما يعدل عن الحقيقة إلى المجاز لمعان ثلاث وهي: الانساع والتشبيه والتوكيد، فإن عدمت هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة؛ فمن ذلك قوله تعالى (وأدخلناه في رحمتنا) الآية. فهذا مجاز، وفيه الأوصاف الثلاثة المذكورة. وأما الانساع فهو إنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسماً هو الرحمة، وأما التشبيه فإنه شبه الرحمة، وأن لم يصح دخولها، بما يجوز