التعظيم والإكرام؛ وعلى الضرب الذي هو دون الحد، وذلك نوع من الإهانة. وهما معنيان ضدان، فحيث وردت هذه الآية جاء معها قرائن قبلها وبعدها، تخصص معناها بالحسن، وتميزه عن
القبح. ولو جاءت مهملة بغير قرينة، ويراد بها المعنى الحسن، لسبق إلى الوهم ما اشتملت عليه من المعنى القبيح. مثال ذلك لو (قال) قائل: (لقيت اليوم فلاناً، فأكرمته وعزرته) لزال ذلك اللبس وارتفع الإشكال.
ومن هذا النوع أيضاً قول بعضهم، يصف رقعة، جاءته من صديق له (فأنارت إنارة الزواهر، والأذهان منها كالعانة في فلكها الدائر). فإن لفظ (العانة) مشترك يدل على معان مختلفة، فهي اسم للقطيع من حمر الوحش، وتقع اسماً على كواكب تحت القوس، ويراد بها الركب من الإنسان، فلما وردت في هذا الكلام ورد معها قرينة، وهي ذكر الفلك، فخصصها بأنها الكواكب تحت القوس، لأن الفلك لا يكون إلا للكواكب، ولو وردت مرسلة بغير قرينة لظن السامع أمراً آخر يكره ذكره. وأمثال هذا كثير. فيجب على المؤلف أن يراعي فيه ما أشرنا إليه من ذكر القرينة.
واعلم إنه قد جاء الكلام (ما معه قرينة) فأوجبت قبحة، ولو تجيء القرينة معه لكان الأمر في استقباحه سهلاً، وذلك قول الشريف الرضي:
أعزز عليَّ بأن أراك وقد خلا ... عن جانبيك مقاعد العواد
فإن أبا محمد سنان الخفاجي قد ذكر هذا البيت في كتابه فقال: إن إيراد هذه اللفظة أعني (مقاعد) في هذا الموضع صحيح إلا إنه موافق لما يكره في مثل هذا الشعر، لا سيما وقد أضافه إلى من يحتمل إضافته إليه، وهو (المواد) ولو انفرد لكان الأمر فيه سهلاً،